الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة
أما إن كان في بنيان، أو كان بينه وبين القبلة شيء يستره، فلا بأس بذلك؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول في بيته مستقبل الشام مستدبر الكعبة»، ولحديث مروان الأصغر قال: «أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليه، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس». والأفضل ترك ذلك حتى في البنيان، والله أعلم.
وإذا كان في الفضاء يستحب له الإبعاد والاستتار حتى لا يُرى. وأدلة ذلك كله: حديث جابر رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يُرى». وحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء، أن يقول: بسم الله». وحديث أنس رضي الله عنه: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». وحديث عاثشة رضي الله عنها: «كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك». وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض».
ولا يمسك ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يستنجي بها. لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه». ويحرم عليه البول أو الغائط في الطريق أو في الظل أو في الحدائق العامة أو تحت شجرة مثمرة أو موارد المياه؛ لما روى معاذ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل»، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اتقوا اللاعنين»، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: «الذي يَتَخَلى في طريق الناس أو في ظلهم». كما يحرم عليه قراءة القرآن، ويحرم عليه الاستجمار بالروث أو العظم أو بالطعام المحترم؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتمسح بعظم أو ببعر». ويحرم قضاء الحاجة بين قبور المسلمين، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق؟».
ويكره أن يبول في شَق ونحوه؛ لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يبال في الجُحْر، قيل لقتادة: فما بال الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن». ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان فيؤذيه، أو يكون مسكناً للجن فيؤذيهم. ويكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكْرُ الله إلا لحاجة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه». أما عند الحاجة والضرورة فلا بأس، كالحاجة إلى الدخول بالأوراق النقدية التي فيها اسم الله؛ فإنه إن تركها خارجاً كانت عرضة للسرقة أو النسيان. أما المصحف فإنه يحرم الدخول به سواء كان ظاهراً أو خفياً؛ لأنه كلام الله وهو أشرف الكلام، ودخول الخلاء به فيه نوع من الإهانة.
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل يَشُوصُ فاه بالسواك، والمسلم مأمور عند العبادة والتقرب إلى الله، أن يكون على أحسن حال من النظافة والطهارة.
فإن لم يكن عنده عود يستاك به حال الوضوء، أجزأه التسوك بأصبعه، كما روى ذلك عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد ذكروا فوائد أخرى للسواك، منها: أنه يقوي الأسنان، ويشد اللثة، وينقي الصوت، وينشط العبد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خمس من الفطرة: الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر». 1- الاستحداد: وهو حَلْقُ العانة، وهي الشعر النابت حول الفرج، سمي بذلك لاستعمال الحديدة فيه وهي المُوسَى. وفي إزالته جمال ونظافة، ويمكن إزالته بغير الحلق كالمزيلات المصنعة. 2- الختان: وهو إزالة الجلدة التي تغطي الحَشَفَة حتى تبرز الحشفة، وهذا في حق الذكر. أما الأنثى: فقطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج. قيل: إنها تشبه عُرف الديك. والصحيح: أنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء. والحكمة في ختان الرجل: تطهير الذكر من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة. وفوائده كثيرة. أما المرأة: فإنه يُقَلِّل من غُلْمَتِها أي: شدة شهوتها. ويستحب أن يكون في اليوم السابع للمولود؛ لأنه أسرع للبرء، ولينشأ الصغير على أكمل حال. 3- قص الشارب وإحفاؤه: وهو المبالغة في قَصِّه؛ لما في ذلك من التجمل، والنظافة، ومخالفة الكفار. وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الحث على قَصِّه، وإعفاء اللحية، وإرسالها وإكرامها؛ لما في بقاء اللحية من الجمال ومظهر الرجولة، وقد عَكَسَ كثير من الناس الأمر، فصاروا يوفرون شواربهم، ويحلقون لحاهم، أو يقصرونها. وفي كل هذا مخالفة للسنة والأوامر الواردة في وجوب إعفائها؛ منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جزُّوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس». وحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب». فعلى المسلم أن يلتزم بهذا الهدي النبوي، ويخالف الأعداء، ويتميز عن التشبه بالنساء. 4- تقليم الأظافر: وهو قَصُّها بحيث لا تترك حتى تطول. والتقليم يجملها، ويزيل الأوساخ المتراكمة تحتها، وقد خالف هذه الفطرة النبوية بعض المسلمين فصاروا يطيلون أظافرهم، أو أظافر إصبع معين من أيديهم. كل ذلك من تزيين الشيطان والتقليد لأعداء الله. 5- نتف الإبط: أي إزالة الشعر النابت فيه، فيسن إزالة هذا الشعر بالنتف أو الحلق أو غيرهما؛ لما في إزالته من النظافة وقطع الروائح الكريهة التي تتجمع مع وجود هذا الشعر، فهذا هو ديننا الحنيف، أمرنا بهذه الخصال؛ لما فيها من التجمل والتطهر والنظافة، وليكون المسلم على أحسن حال، مبتعداً عن تقليد الكفار والجهال، مفتخراً بدينه، مطيعاً لربه، متبعاً لسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويضاف إلى هذه الخصال الخمس: السواك، واستنشاق الماء، والمضمضة، وغسل البراجم- وهي العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ-، والاستنجاء، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء» يعني الاستنجاء. قال مصعب بن شيبة- أحد رواة الحديث-: "ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة".
وشرعاً: استعمال الماء في الأعضاء الأربعة- وهي الوجه واليدان والرأس والرجلان- على صفة مخصوصة في الشرع، على وجه التعبد لله تعالى. وحكمه: أنه واجب على المُحْدِث إذا أراد الصلاة وما في حكمها، كالطواف ومسِّ المصحف.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يقبل الله صلاةً بغير طُهُور، ولا صدقة من غُلُول». وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ». ولم ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، فثبتت بذلك مشروعية الوضوء: بالكتاب، والسنة، والإجماع. وأما على مَنْ يجب: فيجب على المسلم البالغ العاقل إذا أراد الصلاة وما في حكمها. وأما متى يجب؟ فإذا دخل وقت الصلاة أو أراد الإنسان الفعل الذي يشترط له الوضوء، وإن لم يكن ذلك متعلقاً بوقت، كالطواف ومس المصحف. |